3‏/12‏/2008

انفعالات تقاوم الريح / بقلم رحاب حسين الصائغ







للخروج من سنين الهلاك؛ والزحف خارج هموم الخوف وخيوط الوهم، لا بد أن نحتفظ بكثير من الهواء النقي، لا نترك فرصة لسرقة أحلام المرأة، رغم وضع المسامير في طريقها، اجتماعياً ثقافياً وأدبياً، نعم للمرأة قضية إنسانية مثل باقي القضايا المهمة.
تيار اللغة في الشعر يجلس خلف جدران معانيها مغلفة بالفكر، وللتحليل براءة تراقص مفردات مدلولها المبطن بالظاهر منها، أن ما يعمق وجه الأسطورة والعالم مفاهيم فكرية كالتي تملك الوعي القدر على إخراجها من قمم الوضع السائد، لذا الشعر يسطر مفاهيمه الانفعالية بصور مدهشة، حينما يكتب الشاعر أو الشاعرة عن المرأة، تزف الحركات والسكنات وهمزة الوصل وهمزة القطع، كعروس عذراء تغمرها الفرحة ساعة دخولها عالم الأنوثة.

الشاعرة فاطمة محسن/
قصيدة( محاولة حياة) يغمرها حزن القهر الاجتماعي، ما أن تبحث عن مشاعرها هي، حتى تجد نفسها امرأة لا تعترف بصور الخداع، لأنها تُرسَمْ من خلالها كحروف نقوشها حزينة، تكتب فوق ميزان مواقيتها ما تريد هي كامرأة لتؤكد أنها الشاهد والجنازة، فاطمة محسن، بعمق وضعت المرأة والمجتمع الذي يتلاعب بمصيرها بألف وألف جانب من جوانب الحياة كي يخضعها، أما هي لها نظرة فاصلة تخطها من وجه نظر رؤاها كشاعرة، ليكن أمر المجتمع في حالة ابتعاد، تأخذنا إلى حالة، أسمتها في قصيدتها( محاولة حياة) تبدأ القصيدة بفعل أمر( اليوم) تشد بقوة على السكون، امرأة مستعدة لقبول حالة طارئ، بشجاعة تقدم على ما عزمت، بقولها:
اليوم
احتسي الجنون سأموت قليلاً
ثم أغير رأي
سأقرأ بودلير
ورامبو
لم تجفل من طهر التحدي واضعة احتمالات أخرى، قد تكون غير حميدة، لما هي مقدمة عليه، بإصرار المجرب، تقول:
فموعد لقائنا بعد ساعة
سأضع جسدي فوق فنجان قهوتك
وأترك خطوط كثيرة في الفنجان
لتقرأ لي
قصيدة طويلة تنبئ عن سفر
فغداً قد نموت مرة أخرى
شاهرة كل المفاجئات أمام مشاعرها والمجتمع، تتحدى بتفوق يعتلي صدرها كالثلوج التي تغطي الجبال، ربما آن للشمس أن تشرق، متى ما شاءت هي، وتغيب متى ما تشاء، بقولها:
من يرسم حلمي إذاً؟
أراقب سماء ابتسامتك
وأضحك
غداً سنرتبك مرة أخرى

يوم آخر
سنتحدث عن جنازتي
سأتظاهر بالحداد على نفسي
سأجالس الشاطئ وأرثيني
سأضع الزهور على قبري
وأتظاهر بالحزن
أن أكون موجودة في جنازتي
سأرى عينيك
وأبكي
غداً ستكون لي جنازة
هنا الشاعرة فاطمة تبحث عن المرأة التي من سالف الزمان، يريدون تشتيت ضفائر أحلامها على صخر حكاياتهم المشنوقة بالقالح من أفكارهم، وإرغامها على الخضوع لأفكارهم الشعثاء.

الشاعر عبد السلام العطاري/ فلسطين.




في قصيدة (لجُف) وقصيدة (أرجوحة) يهدر بعمق في صوته تيار العصر إلى التقاط المفردة الساطعة برمزيتها عبر احتمالات التجربة الشعرية المخبوء في صميم الظاهر من وجه الحياة، وما أصابها من تهميش، الشاعر عبد السلام ممعن في حقن القصيدة بكل ما هو حديث وجديد الشعر مفردة(لجُف) تعني البئر التي حفرت جانبها، تبرق قصيدته بصور مضيئة لحالة معاشة قد تكون متشائمة لكنها مفروشة بالأمل، تحمل نوع من العبث الساطع في الإسلوب، وللمرأة وجود مشار إليه بإبداع مميز، التخيل في القصيدة يبني تمايز ظاهر في أبراز الجانب الجمالي، بقوله:
ما زلت تسمعين القهوة
وتشربين فيروز الصباح
وأنا أنتظر المذياع
لكي أدرك أنكِ في الشغف العالي.
ذبُلَت رائحة القهوة
وانطفأ بلور الشجن
ومازلت..
أنتظرُ..
أما قصيدة (أرجوحة) كتب هذه القصيدة بلون المشاع الواسع من فقرات مؤطرة بفراغ غير مفتوح، تحمل باطنها انفعالات للشاعر عبد السلام، صور لها شظايا ترتقي بجذر مموسق في المعنى، لحياة تطغى عليها البراءة ويغلفها الألم، بقوله:
على شجرة التوت
نصبت أمي أرجوحة
وأختي (باسمة) تلهو بها إلى آخر القوس
أما أنا فلم أشتر الهواء..
وبعد أن كبرت
ما زالت أرجوحتها في صدري
تخفق..
رسم دقيق لمسارات عززها الشاعر بدقة في اختياره للمفردة، تشبه عملية الفارس المقدام، حين يَسَحِبُ القوس ويرمي بالسهم صوب الهدف، دون الوقوع في خطأ، بقوله:
وضفائرها سنابل .. أتبعها،
وتخفق..
تخفق..
وتهفُّ الآن على وجهي! الشاعران، فاطمة محسن، وعبد السلام العطاري، استخدما مفردة ( فنجان القهوة) كلازمة عربية، تتقارب والسائد من العادات التي من الصعب رفضها ومع ذلك لابد من وجودها لما تحمل من نكهة تصاحب وجود الجمالية، كتبا باستحداث وعي يتقاطر من بين السطور في قصائدهم الخالية من فجواتها الهذيان، واكبا مرحلة القصيدة الحديثة خارجين من السقوط في برك الملل، القيا الضوء على جرح الإنسان العربي، وأدخلا المرأة في حتمية الفعل الحياتي، فكان باب الشعر مشرعاً على النفس والواقع بين رحلة القديم والحديث، مستندة قصائدهم على هالات متلألئة فوق إسطرلاب اللغة، تاركين طبول الموت تعلن عن نهايتها، أما الغد المجهول العنوان رسما له أفق جديد لعله يتوسم الخير في ليلة القمر فيها بدراً.

المضيئون ... هناك/ بقلم رشاد ابو داود



مع الحياة والناس: المضيئون.. هناك! * رشاد ابو داود
التاريخ : 03/2003 عن جريدة الدستور الأردنية






فاجأني وجهه النحيل وعيناه الغائرتان كقنديلين في مغارة نابلسية، او قنديلين مقدسيين في احد شوارع المدينة العتيقة.. يكادان ينطفئان ولا ينطفآن، فثمة زيت لا ينتهي في رام الله والخليل وجنين وطولكرم وغزة. قدره ان ينبع من اول سطر في الخلق الى أول اعلان لساعة القيامة و.. قدرهم، ان يظلوا مضيئين، صامدين رغم العتمة في ارض النفط واشتباك الاشقاء في حضرة الشيخ وشرم الشيخ.
عبدالسلام العطاري، شاب من رام الله عمره عدة مرات من الاعتقالات، ولكمات آثارها تبدو على اسنانه، وهراوات ربما كانت سبب جسده النحيل. عمر معرفتي به من عمر الانتفاضة الثانية. كمعرفتنا بأولئك الذين نراهم على الفضائيات يعتقلون، يَصُـفّهم جنود الاحتلال على حيطان المدارس والمساجد في البرد. هم من يرد ذكرهم في نشرات الاخبار بسطر او سطرين »وقد اعتقلت قوات الاحتلال الرجال فوق سن العشرين وجمعتهم في ساحة القرية او مدرسة البلدة«!
لم ار عبد السلام لكنني اعرفه، وكلنا يعرفه انه احد الشباب الذين استطاعوا ان ينقلوا للعالم معاناة الشعب الفلسطيني كتابة، شعرا ونثرا، صراخا وصمودا، من خلال المواقع المنتشرة على الانترنت.

لم اجد كلاما اقوله له ولا عينين انظر بهما الى عينيه القنديلين، تلعثمت، احمر وجهي وانا اقول له: كم نشعر اننا صغار امامكم، كم نخجل من انفسنا انتم يا من لا تزالون في عين الشمس فيما نحن تناثرنا كواكب سوداء وحجارة براكين مهملة عندما حدث الانشطار الكبير العام 1948.

اشفق عليّ مني، حاول بتواضع الشهيد عندما يُسجّى كمارد على نعشه، ان يخفف من احساسي العربي بالذنب، قال: ابدا ابدا نحن.. نحن نمارس حياتنا كالمعتاد، تعودنا الاحتلال مجنزرات وسيارات ورصاصا واعتقالات. لكن ما يحزننا اننا في السابق كنا نحصي الشهداء باسمائهم، واليوم بارقامهم وعددهم.

يضيف عبدالسلام بحزن: في الشهور الاخيرة حرمنا من ان يرانا العالم نقتل ونجرح ونعتقل، ثمة حصار اعلامي وكاميرات الفضائيات سرقها منا الرسميون لاطلاق تصريحات لا تزحزح دبابة عن مدخل حارة او تجلي جنديا محتلا. وبسبب منهجية التوغلات والمداهمات التي هي اسوأ علينا من الاحتلال المباشر، تعبت الكاميرات من ملاحقة ممارسات الاحتلال. اصبحنا نموت بصمت.

تحدث كثيرا. تألمت اكثر، وقلت له: نسيت ان اسألك: ما سبب قدومك الى عمان؟ ضحك بمرارة قائلا: لقد تم نقل ابي من جنين بلدنا، الى احد المستشفيات هنا في عمان، جئت لزيارته. فالاعمار بيد الله. ضحك اكثر، استغربت قال: لا تندهش فهنا ارى ابي لاول مرة منذ اكثر من سنة، لم املك الا ان استغرب. قال: انا اسكن في رام الله والمسافة الى جنين تستغرق اقل من ساعة بدون حواجز احتلال لكنها تستغرق اكثر من ثماني ساعات وعشرات الاهانات المتعمدة والاذلال على الحواجز ونقاط التفتيش، طبعا التفتيش ليس عن سلاح او احزمة ناسفة بل عن كل ما هو فلسطيني عربي في داخلك للامعان في اذلاله.

ودعت عبدالسلام العطاري وكان امامي مقال في معاريف لنير برعام يقول فيه: اسرائيل مثل اية دولة محتلة، ستستيقظ ذات يوم فالشعوب سئمت الاحتلال وعندها لن تنفع الاعذار، سيأتي يوم يطلب فيه المجتمع الإسرائيلي من كل فلسطيني العفو والصفح.
ترى بأي لغة ودم سنعتذر نحن العرب للفلسطينيين بعدما اعتذرنا للولايات المتحدة عن عروبتنا وديننا ودفنا رؤوسنا في الرمل بانتظار عاصفة رمال جديدة من الصحراء العربية

* رشاد ابو داوود / كاتب وصحفي

مساعد رئيس التحرير جريدة الدستور الاردنية

* مدير تحرير جريدة الوقت البحرينية