1‏/2‏/2009

أرصفة البوح في قصائد الشاعر عبد السلام العطاري / مجدولين الرفاعي




حزنه قديم معتق كنبيذ نسيته الحياة ضمن جرارها المهملة مرات عدة حاول معرفة تاريخ الحزن لديه ففشل باستعراض شريط الذكريات ولملمة الصور البائسة. خذلته الحياة طفلا فجففت منابع الحنان وسرقت من طفولة لعبه البراءة فاختار أن يكون رجلا قبل الأوان, عايش الهم والظلم لكنه رفض الخضوع للذل والهوان فأعلن ثورته على كل الأشياء من خلال الصوت والكلمة والقصيدة التي تطلق النار على اليأس وتزرع حقل سنابل وبيارات برتقال.
الشاعر الفلسطيني عبد السلام العطاري يرصع قصائده بفسيفساء الحرف ويخط على جدران اللغة تراتيل مخضبة بالحناء
قصائده ارض خصبة يمطرها عشقا فينبت الأقحوان ويعرش اللباب على أسوراها
سألته محاورته يوما لماذا انت حزين دوما فأجاب:

"هاتِ لي فلسطينيا .. يحلم بوطن الحرية وبنوم هادئ وسعيد لأطفاله ويحلم بغدير من الأمنيات يتدفق نحو الأمل سعيا إلى راحة البال, ولا يجد كل ذلك..كيف له ألا يكون غاضبا !ربما تتفاوت حالة الانفعال بين غضب مبتسم وغضب نزق ربما انحاز لذاتي أن أصنفها تحت بند اغضب من اجل أن يكون الغضب حالة فعل ورد فعل أي بمعنى أن يجيّر الغضب من اجل أن يخرج المكنون من دواخلنا ليحمل لنا ابتسامة وانشراح بعد حالة التناقض المفترضة فينا هي أن نجد دواتنا من اجل أن يجد الآخر فينا نسبة الهدوء التي تبقي الغضب تحت وقع سؤال: لماذا هي ومن اجل ماذا؟"
يعزف العطاري قصائده على قيثارة الصمت في ليل رام الله الجميل, يفترش أرصفة البوح فترتفع أشرعة الكلام ,مرة تعلو وتيرة عزفه ومرة تخبو , مرة يثور ومرة يعشق ومابين الحالتين يزهر الجلنار على باب القصيدة ,,,,,

ففي قصائده نجده ثائرا غاضبا يصب حقده على قوى الشر والاحتلال التي اعتقلته بذنب خطير لايغتفر - فلسطيني الهوية والأرض والتاريخ ، يصف من خلال قصائده محنة السجن والتعذيب بلا أسباب مقنعة والتهمة الأولى انه عربي لا يستحق الحياة يهزأ منه سجانه ويبدي استغرابه كيف ينجب الفلسطيني دون ارض وهي إشارة من الشاعر لعدم اعتراف إسرائيل بفلسطين ارض عربية فلسطينية يحق لأصحابها طرد مغتصبها والتشبث بترابها حتى آخر قطرة دم ثم نجده في نفس القصيدة يخاطب حبيبته فيشرح لها أسباب اعتقاله وحبه للشمس والحرية ولكنه لأجلهما دفع الثمن من حريته وراحته فقد غيبه السجن مرغما عن كل ما يحب تحمل كلماته في طياتها حزنا وألما دفين وعميق يمزقه ويعرب عن تمسكه بالأرض الأم يحلم بولادة جديدة للأمل وغد مشرق لا ظلم فيه ولا اغتصاب للحقوق ,يحلم بعودة الحق لأصحابه وعودة اللاجئين.
"" ستةُ جدرانَ ونافذتي أغنيتي
ستةُ جدران وقضبانُ الزنزانةِ أضلاعي
باردةٌ كالجثةِ هذي الزنزانةُ
لكن أغنيتي أطلقها في الطيرِ
وأغنيتي يحملها الطيرُ
وأغنيتي ستدورُ على موجةِ ليلٍ
ومضتْ أيامي ... أعواماً
أذكرُ من غرفةِ تحقيقي كيفَ حُملتُ وكيفَ سياطُ الجندِ تغيرُ لونَ الجلدِ
وكيفَ تخدُّ غريزتها فوق اللّحمِ
يقولُ اعترِفِ الآنَ بأنكَ انسانٌ
بأنكَ تعبدُ أرضكَ ..
أنكَ سوفَ تدورُ بهذي الكعبةِ أرضاً
أنكَ تفخخُ قلبكَ كي تقذفهُ حِمماً
اعترفِ الآنَ

كنتُ أقولُ بأني رجلٌ ذو أولاد سمرٍ
ذو امرأةٍ أرملةٍ مع وقفِ التنفيذِ ..
وخبزٌ مرشوشٌ بالعرَقِ اللّيليِّ "



يبدو أن اليأس قد تملك الشاعر تماما في قصيدة" احصدوا خرائبي وازرعوا جنتكم" ولم يعد يرى أي بصيص نور في الغد الآتي فالأحداث المتسارعة نحو اليأس في فلسطين تجعل قلب الشاعر المرهف ينفطر حزنا وألما على ظروف شعبه على جوع أطفال الوطن :
أنا الجحيم حين لا تكون الجنة واحة للتصوف
أنا المبعثر بين الأساطير القديمة
أنا حجر القلاع المسلوبة
أنا هديل حمامة يطاردها الرب وجُند الحراسات
أنا صيف بلا أشجار
بلا انهار
آنا شتوي عتيق موحل
ليل ينتحر القمر فيه
أنا "خريف الغضب "
ربيع، يزهر حطباً
أنا كل ما تبقى من اليابسة الميتة
أنا حجارة سجيل تبحث عن أبرهة
أنا آخر ما تبقى من سبأ
هزمتنا كلماتنا وقصائدنا
وأغنياتنا
أنا سبي قبلي خاسر
أنا كل ذلك الوقت المضبوط على إيقاع الجرح والحزن
فاحصدوا خرائبي وازرعوا جنتكم
أو ارحلوا.
احتوت هذه القصيدة الغاضبة على عبارات توضح كم اليأس وحجمه " ليل ينتحر القمر فيه"" ربيع، يزهر حطباً"
يبدو واضحا كيف تحولت الأحلام إلى يأس وقنوط، ويعرب في النهاية عن لا جدوى الكلمات التي قيلت ولازالت تقال دون أن تترك أثرا في نفوس العالم المتفرج " هزمتنا كلماتنا وقصائدنا"
تلبس الخيبات في أوقات عدة أحلام الشاعر العطاري وتجرح أحاسيسه المشاعر المخادعة والكلمات المزيفة ممن وثق به وأعطاهم صدقه وإخلاصه وظن في وقت من الأوقات إن غده واعد :
لماذا تضن الحقيقة بالصدق
لماذا تغويك الابتسامات بعذب الكلام
وبحركة الشفتين
لماذا تكون الأعمال من رجس الأحلام
لماذا أجهل الأشياء
والكل يصفق تقدم... تقدم
نحو الأيام.

رغم حزن الشاعر وانكساراته لكن عشق الحياة وعاش تجربة الحب المزهرة بالبنفسج وحول حزيران النكسة إلى ربيع مقمر محاولة من شاعر مرهف لتخفيف الحزن عن سماء الوطن فكتب قصيدته وأهداها للحبيبة

" إلى التي عانقتْني شوقًا، فكان العناقُ يحمل رائحة الوطن وزهرة لوز خبأتُها لها بين أضلعي. قلت لها: "اسكني في قلب متعب ومثقلٍ بالوجع"، فتوسَّدتْه، وكانت أنفاسها بلسمًا شفى ألمي المزمن. وقلت: "يا وجعًا يسكن عمري... وداعًا، ومرحبًا بالتي جعلتْني أبتسم على شرفات الفرح."
ثمة ليل غنَّيناه
فتمايل الليل طربًا
والنجوم كذلك
ونسائم البحر حملتْنا
أوراقا تنثرنا
كرحيق زهرة لكولونيا
يسمر الساهرون على أريجها
وتغفو أعين الأطفال عليها في سكينة
وتنتشر أصوات أحلامهم
فتصمت مدينة غارقة
في الضجيج لتسمع همسهم
اختزل عبد السلام العطاري الحب في قصيدة مهداة إلى الحبيبة التي وهبته الحب فأزهر عمره ابتسامات وعطور
عبد السلام العطاري عابر سبيل يبحث عن وطن ...يبحث عن حلم....يبحث عن أنثى للقصيدة,,,


قاصة وصحفية /
سوريا 16/5/2006

لا أرض للساق المبتورة / الى طائر الفينيق عبد السلام العطاري


لا أرض للساق المبتورة / الى طائر الفينيق عبد السلام العطاري



شكري بوترعة

أنا ....
لم أسئ يوما إلى
نجمة أو سحابة
لم أعكر مزاج النبات
فقط انشغلت بحزني كثيرا
وأقفلت باب الروح في وجه المباهج و الصبوات

أنا لم أسئ يوما
إلى حشرة
إلى عشبة في الحديقة
إلى ضيف الأحد الثقيل

فقط
كنت أستدرج اللغة إلى سرير الليل
و أرمي برماح الشهوة
في المدفأة
و التي صعدت سلم الذكريات
"تغتسل بعسل دوعن حزامها بحر العرب وخلخالها الموج"*
رمت بالجمرة في قاع الحذاء
علمتني الطفولة بعد الأربعين

و سلمتها مفاتيح القرى
فهل يضيء شجر الليل حديقتها
كما يضيء القطن جسد المرأة
التي تنسى أزرار شهوتها فوق الحصى

هل ارتبك المطر على شرفتها
هل ارتبك اللون في عينيها
لقد أينعت شمعة الميلاد
في غفلة من الريح
و كان البئر شحيحا على دلوها
و الماء طليق في دناني
فهل كان علي أن أتنبأ بالماضي؟
وأعرف أن الصحراء لا تخون أحفادها
.... و أن ...
والذي كان في بطن أمي لست أنا
إنما كان حطامي
أسمي الدود
سفينة تمخر عباب العمر
أسمي الستائر أجراس من غبار
أعلق عليها آثام الليل
أربي السعال ليستأنس بي في الفراش
الحزن أخي في الرضاع
الفرح أخي في الضياع
و السمك الغريب
يدخل النهر من نوافذه
الماء ذئب
الفضاء ذئب
ولا أرض للساق المبتورة
أسمي الروح
رمانة تتشقق في غصنها
لا وطن للساق المبتورة
لا حذاء


* شاعر من تونس