29‏/3‏/2009




عليك السلام.. يا عبد السلام


بقلم: بدر مكي*

انه جزء أصيل من احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية.. ساهم في نجاحها في مهد المسيح .. ونقل زهرة المدائن إلى هناك .. بكلماته التي كتبها عبر سهر الليالي.. لتكون عنوانا للاحتفالية .. التي أخذت القدس من هنا .. إلى عواصم العرب والعجم.. تألق الشاعر الشاب عبد السلام العطاري .. من بيت كريم .. جعل من بيوت الشعر تتراقص بهمس وطني محموم .. في شوارع وأزقة وحواري مخيماتنا في الضفة وغزة ولبنان .. برائحة خبز الطابون وبرتقال يافا وزيتون بيرزيت والميرمية من أطراف عرابة .. وهكذا انطلق العطاري مبتعدا عن وظيفته الرسمية .. وربما قد حلف عليها بالطلاق ثلاثا .. ليجول بجسده النحيل .. إلى حيث أصدقائه في الكويت وتونس والجزائر ومصر الأردن ولبنان و.. أحبهم وأحبوه.. وكانت الاحتفالية بالكلمات التي قيلت وخطها العطاري أمام المئات من عشاق القدس وفلسطين على اختلاف المشارب.
عبد السلام يعترف بان النجاح الذي تحقق لم يكن ليكون كذلك.. لولا ثقة وزيرة الثقافة.. التي ابتعدت عن هموم الرياضة ومشاكلها حينا.. لتساهم أبو دقة في مسيرة القدس الثقافية.. دفعتنا جميعا نحو الانصهار بهذه الاحتفالية .. بطريقتنا نحن في وزارة الشباب والرياضة.. في يوم مشهود برام الله بمشاركة الآلاف.. وهي كانت في بيت لحم .. مع عشاق الشعر والأدب.. مع محمود درويش ورفاق دربه من مختلف الأمصار.
وكان إسماعيل التلاوي رئيس لجنة التربية والثقافة والعلوم.. وكأنه من كوكب آخر .. فقط كوكب فلسطين .. هذا الرجل المبدع في العطاء والانتماء.. كان أكثرنا فلسطينية ربما.. ولكنه الأكثر فرحا من الداخل.. وهو يقدم الاستحقاق المطلوب منه لبلده التي طالما تغنى بها في الخارج.. وعاد لوأد سنين عجاف أصابت الثقافة الفلسطينية مع غيره من أقرانه الأدباء والكتاب والشعراء.
نجحنا في الافتتاح.. بفضل هؤلاء نساء ورجالا.. ولا ننسى اختنا اعتدال عبد الغني التي تابعت كل صغيرة وكبيرة ليكون النجاح في المستوى المطلوب.. وهكذا كان.
شكرا لكم جميعا .. والشكر موصول للسيد الرئيس الذي كان البوصلة نحو النجاح ليس بحضوره الافتتاحية فقط، بل لثقته في القائمين على العمل الذين نجحوا بامتياز وابهروا الحضور.. وكان التلاقي في برامج الاحتفال بين الداخل والشتات.. من القدس .. غزة.. الناصرة.. مار الياس.. و.. و.. لقد كان يوما مشهودا.. واقل ما نقول لكم.. شكرا.. على أمل أن تستمر الاحتفالية كما هو مخطط لها.. وان تقام فعالياتها بالقدس.. وقد فعل المستحيل أبناؤها.. ليقولوا كلمتهم في اليوم الموعود.. رغم انف الاحتلال.
والشكر موصول لكل من شاركنا في احتفالية القدس من العرب وقد حضر قسم منهم إلى وزارة الشباب، وسمعتهم يتحدثون عن القدس وفلسطين، ولفت انتباهي الكلام الرائع لرئيسة جمعية >كويتيون من اجل القدس< السيدة لولوة الملا، التي تحدثت عن مساهمة الفلسطينيين في نهضة الكويت وخاصة في مجال التعليم والتطبيب، وأكدت انه لولا وجودهم لما شعر الكويتيون بالانجاز الذي تحق في بلادهم في هذين الصعيدين، كما تحدثت عن فجر الثورة الفلسطينية والذي بنيت أساساته في الكويت، كانت وغيرها فخورة ومعجبة ربما .. بالعطاري الذي أدى الأمانة. يجب أن نكون حريصين على علاقاتنا مع إخوتنا العرب، وهم ذخرنا الاستراتيجي في معركتنا الطويلة مع الاحتلال وبهذا يكون بعدنا العربي القومي، نعم النصير لنا.. وقد تحدثوا .. العرب الذين جاءوا إلينا عن فلسطين الحاضر.. وكم أبهرتهم بيت لحم ورام الله.. وهم .. سيقفون معنا.. في عملية بناء .. فلسطين المستقبل.


* محرر في صحيفة الحياة الجديدة لفلسطينية



1‏/2‏/2009

أرصفة البوح في قصائد الشاعر عبد السلام العطاري / مجدولين الرفاعي




حزنه قديم معتق كنبيذ نسيته الحياة ضمن جرارها المهملة مرات عدة حاول معرفة تاريخ الحزن لديه ففشل باستعراض شريط الذكريات ولملمة الصور البائسة. خذلته الحياة طفلا فجففت منابع الحنان وسرقت من طفولة لعبه البراءة فاختار أن يكون رجلا قبل الأوان, عايش الهم والظلم لكنه رفض الخضوع للذل والهوان فأعلن ثورته على كل الأشياء من خلال الصوت والكلمة والقصيدة التي تطلق النار على اليأس وتزرع حقل سنابل وبيارات برتقال.
الشاعر الفلسطيني عبد السلام العطاري يرصع قصائده بفسيفساء الحرف ويخط على جدران اللغة تراتيل مخضبة بالحناء
قصائده ارض خصبة يمطرها عشقا فينبت الأقحوان ويعرش اللباب على أسوراها
سألته محاورته يوما لماذا انت حزين دوما فأجاب:

"هاتِ لي فلسطينيا .. يحلم بوطن الحرية وبنوم هادئ وسعيد لأطفاله ويحلم بغدير من الأمنيات يتدفق نحو الأمل سعيا إلى راحة البال, ولا يجد كل ذلك..كيف له ألا يكون غاضبا !ربما تتفاوت حالة الانفعال بين غضب مبتسم وغضب نزق ربما انحاز لذاتي أن أصنفها تحت بند اغضب من اجل أن يكون الغضب حالة فعل ورد فعل أي بمعنى أن يجيّر الغضب من اجل أن يخرج المكنون من دواخلنا ليحمل لنا ابتسامة وانشراح بعد حالة التناقض المفترضة فينا هي أن نجد دواتنا من اجل أن يجد الآخر فينا نسبة الهدوء التي تبقي الغضب تحت وقع سؤال: لماذا هي ومن اجل ماذا؟"
يعزف العطاري قصائده على قيثارة الصمت في ليل رام الله الجميل, يفترش أرصفة البوح فترتفع أشرعة الكلام ,مرة تعلو وتيرة عزفه ومرة تخبو , مرة يثور ومرة يعشق ومابين الحالتين يزهر الجلنار على باب القصيدة ,,,,,

ففي قصائده نجده ثائرا غاضبا يصب حقده على قوى الشر والاحتلال التي اعتقلته بذنب خطير لايغتفر - فلسطيني الهوية والأرض والتاريخ ، يصف من خلال قصائده محنة السجن والتعذيب بلا أسباب مقنعة والتهمة الأولى انه عربي لا يستحق الحياة يهزأ منه سجانه ويبدي استغرابه كيف ينجب الفلسطيني دون ارض وهي إشارة من الشاعر لعدم اعتراف إسرائيل بفلسطين ارض عربية فلسطينية يحق لأصحابها طرد مغتصبها والتشبث بترابها حتى آخر قطرة دم ثم نجده في نفس القصيدة يخاطب حبيبته فيشرح لها أسباب اعتقاله وحبه للشمس والحرية ولكنه لأجلهما دفع الثمن من حريته وراحته فقد غيبه السجن مرغما عن كل ما يحب تحمل كلماته في طياتها حزنا وألما دفين وعميق يمزقه ويعرب عن تمسكه بالأرض الأم يحلم بولادة جديدة للأمل وغد مشرق لا ظلم فيه ولا اغتصاب للحقوق ,يحلم بعودة الحق لأصحابه وعودة اللاجئين.
"" ستةُ جدرانَ ونافذتي أغنيتي
ستةُ جدران وقضبانُ الزنزانةِ أضلاعي
باردةٌ كالجثةِ هذي الزنزانةُ
لكن أغنيتي أطلقها في الطيرِ
وأغنيتي يحملها الطيرُ
وأغنيتي ستدورُ على موجةِ ليلٍ
ومضتْ أيامي ... أعواماً
أذكرُ من غرفةِ تحقيقي كيفَ حُملتُ وكيفَ سياطُ الجندِ تغيرُ لونَ الجلدِ
وكيفَ تخدُّ غريزتها فوق اللّحمِ
يقولُ اعترِفِ الآنَ بأنكَ انسانٌ
بأنكَ تعبدُ أرضكَ ..
أنكَ سوفَ تدورُ بهذي الكعبةِ أرضاً
أنكَ تفخخُ قلبكَ كي تقذفهُ حِمماً
اعترفِ الآنَ

كنتُ أقولُ بأني رجلٌ ذو أولاد سمرٍ
ذو امرأةٍ أرملةٍ مع وقفِ التنفيذِ ..
وخبزٌ مرشوشٌ بالعرَقِ اللّيليِّ "



يبدو أن اليأس قد تملك الشاعر تماما في قصيدة" احصدوا خرائبي وازرعوا جنتكم" ولم يعد يرى أي بصيص نور في الغد الآتي فالأحداث المتسارعة نحو اليأس في فلسطين تجعل قلب الشاعر المرهف ينفطر حزنا وألما على ظروف شعبه على جوع أطفال الوطن :
أنا الجحيم حين لا تكون الجنة واحة للتصوف
أنا المبعثر بين الأساطير القديمة
أنا حجر القلاع المسلوبة
أنا هديل حمامة يطاردها الرب وجُند الحراسات
أنا صيف بلا أشجار
بلا انهار
آنا شتوي عتيق موحل
ليل ينتحر القمر فيه
أنا "خريف الغضب "
ربيع، يزهر حطباً
أنا كل ما تبقى من اليابسة الميتة
أنا حجارة سجيل تبحث عن أبرهة
أنا آخر ما تبقى من سبأ
هزمتنا كلماتنا وقصائدنا
وأغنياتنا
أنا سبي قبلي خاسر
أنا كل ذلك الوقت المضبوط على إيقاع الجرح والحزن
فاحصدوا خرائبي وازرعوا جنتكم
أو ارحلوا.
احتوت هذه القصيدة الغاضبة على عبارات توضح كم اليأس وحجمه " ليل ينتحر القمر فيه"" ربيع، يزهر حطباً"
يبدو واضحا كيف تحولت الأحلام إلى يأس وقنوط، ويعرب في النهاية عن لا جدوى الكلمات التي قيلت ولازالت تقال دون أن تترك أثرا في نفوس العالم المتفرج " هزمتنا كلماتنا وقصائدنا"
تلبس الخيبات في أوقات عدة أحلام الشاعر العطاري وتجرح أحاسيسه المشاعر المخادعة والكلمات المزيفة ممن وثق به وأعطاهم صدقه وإخلاصه وظن في وقت من الأوقات إن غده واعد :
لماذا تضن الحقيقة بالصدق
لماذا تغويك الابتسامات بعذب الكلام
وبحركة الشفتين
لماذا تكون الأعمال من رجس الأحلام
لماذا أجهل الأشياء
والكل يصفق تقدم... تقدم
نحو الأيام.

رغم حزن الشاعر وانكساراته لكن عشق الحياة وعاش تجربة الحب المزهرة بالبنفسج وحول حزيران النكسة إلى ربيع مقمر محاولة من شاعر مرهف لتخفيف الحزن عن سماء الوطن فكتب قصيدته وأهداها للحبيبة

" إلى التي عانقتْني شوقًا، فكان العناقُ يحمل رائحة الوطن وزهرة لوز خبأتُها لها بين أضلعي. قلت لها: "اسكني في قلب متعب ومثقلٍ بالوجع"، فتوسَّدتْه، وكانت أنفاسها بلسمًا شفى ألمي المزمن. وقلت: "يا وجعًا يسكن عمري... وداعًا، ومرحبًا بالتي جعلتْني أبتسم على شرفات الفرح."
ثمة ليل غنَّيناه
فتمايل الليل طربًا
والنجوم كذلك
ونسائم البحر حملتْنا
أوراقا تنثرنا
كرحيق زهرة لكولونيا
يسمر الساهرون على أريجها
وتغفو أعين الأطفال عليها في سكينة
وتنتشر أصوات أحلامهم
فتصمت مدينة غارقة
في الضجيج لتسمع همسهم
اختزل عبد السلام العطاري الحب في قصيدة مهداة إلى الحبيبة التي وهبته الحب فأزهر عمره ابتسامات وعطور
عبد السلام العطاري عابر سبيل يبحث عن وطن ...يبحث عن حلم....يبحث عن أنثى للقصيدة,,,


قاصة وصحفية /
سوريا 16/5/2006

لا أرض للساق المبتورة / الى طائر الفينيق عبد السلام العطاري


لا أرض للساق المبتورة / الى طائر الفينيق عبد السلام العطاري



شكري بوترعة

أنا ....
لم أسئ يوما إلى
نجمة أو سحابة
لم أعكر مزاج النبات
فقط انشغلت بحزني كثيرا
وأقفلت باب الروح في وجه المباهج و الصبوات

أنا لم أسئ يوما
إلى حشرة
إلى عشبة في الحديقة
إلى ضيف الأحد الثقيل

فقط
كنت أستدرج اللغة إلى سرير الليل
و أرمي برماح الشهوة
في المدفأة
و التي صعدت سلم الذكريات
"تغتسل بعسل دوعن حزامها بحر العرب وخلخالها الموج"*
رمت بالجمرة في قاع الحذاء
علمتني الطفولة بعد الأربعين

و سلمتها مفاتيح القرى
فهل يضيء شجر الليل حديقتها
كما يضيء القطن جسد المرأة
التي تنسى أزرار شهوتها فوق الحصى

هل ارتبك المطر على شرفتها
هل ارتبك اللون في عينيها
لقد أينعت شمعة الميلاد
في غفلة من الريح
و كان البئر شحيحا على دلوها
و الماء طليق في دناني
فهل كان علي أن أتنبأ بالماضي؟
وأعرف أن الصحراء لا تخون أحفادها
.... و أن ...
والذي كان في بطن أمي لست أنا
إنما كان حطامي
أسمي الدود
سفينة تمخر عباب العمر
أسمي الستائر أجراس من غبار
أعلق عليها آثام الليل
أربي السعال ليستأنس بي في الفراش
الحزن أخي في الرضاع
الفرح أخي في الضياع
و السمك الغريب
يدخل النهر من نوافذه
الماء ذئب
الفضاء ذئب
ولا أرض للساق المبتورة
أسمي الروح
رمانة تتشقق في غصنها
لا وطن للساق المبتورة
لا حذاء


* شاعر من تونس

30‏/1‏/2009

خارج النص / الشاعر مراد السوداني


خارج النص


بقلم / الشاعر مراد السوداني / رئيس بيت الشعر الفلسطيني

" كلمة تقديم وتعريف بديوان دوثان"

هل يقدّمني النصُّ، أم أتقدّم به محموماً بسياحات مرّة وتوغُّلات ناغِرَة في أُتون راجفةٍ ندّاهة !! ثمّة إشكالوية تطلُّ بقرنين دقيقين، دقّة الوجع ومداره في آنٍ.. إنه رهان، إذاً، والتقدّم وشاح الجَسور وفكرته النافذة كرمح إغريقي طاعنٍ في القدامة واشتقاقاتها السيّالة دفئاً ودفَقْاً محيطاً.. مغامرة هو النصّ، هنا في اقترابه من حميمية البيت وحديقة الروح. بأزاهيره وفوح الندي الحالم.. يمسكنا العطاري من قلوبنا إلي مجمرة النص لنُصَابَ باللذعة المائية في القصيدة، ولثغة المفردات التي تكرجُ علي بياض الورق جافلة بتفاصيل (المكان).. مسقط الرأس، استدراج الطفولة إلي عتباتها الأولي.. البرّية الطالعة من درغلة نايات الرعيان ونهنهاتِ اليرغول الراشح رجفاً حانياً.. هذا الشاعر الريفي منخل بالوعر ورغاءِ عناصره الفائرة.. الريف يرفع النص ويترافع بالنص في وجه سلالات القبح وزناخة الادعاءات.. والتهارش النابح علي أصالة بلائنا.. ولغو الحداثة الكالح.. يا للبلاد وهي تبذخ عطاءً وتجرش صوّانها بناب الصبر فتفيض البركة لغة وإبداعاً ونزفاً ناسغاً تقطف في عيون أيائل الجبل وخضرة مرج ابن عامر الدفوق حياةً وحصاداً بمواويله الجافلات..
يا للبلاد علي شفة الشاعر ترفع قولة حقّها وحقيقتها.. وهي تشلح الزيف الزاحف عليها.. ناخراً، ناحراً.. يا للبلاد علي شفة الشاعر الرانخ مواريث غناء ورباباتٍ مجروحة بهزيز الفواجع..
يا للشاعر نعّاف تراب القصيدة مثل ذئب ذاهلٍ.. وبلوطة تتلمَّظُ صباحات الوديان.. النصّ مرافعة ناجزة ضدَّ النمل الأسود النقيض الذي يقضم وثيقة الوطن / النص.. ويهرئ الحروف لاستبدال الحكاية بنقائضها وبدائلها، فيبدّل الأسماء ويحذف الأمكنة ويمدُّ ألسنة موته وزهومته.. يرفع دوثان فتي كنعان الجموح ليطلق من كنانة الأسطورة ورماد التذكرّ سهاماً خضراء مُسنَبْلة بخير الأرض وفعال أجدادنا فيها كَدْحُ محاريث.. ورَشْقُ بذار يتعرَّم ذهبياً كجدائل العذراوات.. دوثان وشمٌ بالأخضر مدروزٌ علي جباه ورّادات العين، ربّات الجرار، بلغة العطاري.
و دوثان تشكيلٌ معانِد لتحللات العناصر في ذاكرة (المكان).. دوثان ، أيضاًً، مكانية نَسْغُها التجربة الإنسانية المرفوعة للمقدّس.. ورهبة الفعل وجبروته، كذلك.. ينحلٌّ الاسم إلي هيولي البدء فتفيض البلاد حنينها وحنّاءها القاني.. فيدمع ناي، ويعلو الكلام بإرنانه الجهور علي كتف عمتنا التلّة.. وسؤالنا البكر عن جدوي التذكرُّ.. في زماننا الأعرج الكليم.. و دوثان طاقة الاسم.. اشتداد العلاقة بين المسمّي وبلاغة المعني.. بلاغة تشمّها وتتحسس وقدها من شميم التراب ورماد مَنْ صاغوا أسطورة المكان وَعَمَرُوه بِعرْقهم اللافح وعَرَقِهِمُ المالح الكظيم.. يا لعوج بن عناق يحدّق في مجمرة هذا الـ دوثان فتتقادح لغة مُطَلْسَمَةٌ قادرة علي الحياة والفرح والغناء.. فتسيل شقائق النعمان نزفاً من غير سوء.. النصّ مرافعة عالية باقتدار تليقُ بجيلٍ ينحاز لقوّة حقّه في الوجود.. وحقّه في الحرية.. وحقّه في نداء غدٍ أكثر أمناً.. وأقلْ نَهْباًَ.. النص وشم، إذاً، خَدَرٌ ناعسٌ مثل عشبٍ طالعٍ من شقوق دوثان .. وشمٌ نضّاح برهبوت البئر ورغبوت الحكاية الحكاية.. الطافحة اشتعالات وَجْد.. وغرغرة روح لاهثة في براح تفّاحها الغويْ.. تقلّب كلام النصّ فتتراءي تحت حجارته اكتظاظات تسعي.. فيَنفرُ الحجلُ البريٌّ، والسُمَّنُ، وتجفلُ قطاة، وتحمحم خيول اللغة بكامل حشودها واحتشادها الأروسي.. مبللّةٌ أعرافها بندي صباحات راغية بمواويل الرعاة، تصفرِّهم الريح.. تدهمك - عزيزي القارئ - دكُنّة عُلِّيق مشاغبٍ، ونارنجٌ متثائبُ أو يكاد.. النصّ مؤانسة والوحشي، مصعلكة النشيد علي شفة المنشِد القروي.. النصُ احتمالاتٌ للوجع والفقر والتأمل والسياحة في برّية القول وفحواه.. البحث عن لُجفِ المعاني.. وغُفْل التراويد منعوفة علي عتبات البلاد.. وعْدٌ بجماليات تليقُ بالشاعر ويليقُ بها.. ذاتَ ربيع نهبط من كفر راعي - جنين، الزاجل العنيد نجيب صبري، حسين العطاري.. حكّاء المكان وسادنه، والعطاري، وأنا.. إلي نبع الحفيرة كفُّ دوثان .. مرجٌ من الزعتر الجبلي يقطف أحزاننا.. ونلثغ بحرقة اللون الناهب الحريِّفْ.. نصل الجبَّ فتنهض الحكاية حيّة.. المكان بطلّته اليوسفية ونقع سنابك الخيل والطِرَاد المُرِّ في بطن المرج الدفوق خضرة وسرسبات رؤي.. هنا الجبّ .. ما زال صوت النبي معلّقاً في فضاء البئر يرنُّ.. وها هو القميص العفي.. قميص الحكاية المُدَمْدِمُ بصيرة ونفاذاً وإحالات لبلاغة النبي، اليوسفي طلعة وطلّةً جارفة عارمة.. نتحلَّق حول رقبة البئر .. مأخوذاً، أبدو.. مسحوباً لأعماقٍ موغلةٍ في الغربة والنأي. حالة من الارتباك الممضِّ.. واندهاش طاغٍ، تلبَّسني فجأة.. لا بُدّ من نثر إذاً، لا بُدّ من نثرٍ إلهي لينتصر الرسولُ .. قال درويش البلاد. فيما يشبه الهذيان بحتُ فخفتُ من سطوة البئر ورهبة نداءات العمق.. وفي هذه اللحظات ارتجل زاجلنا، نجيب:




مِنْ يومِنْ سِبْنا السِلاحْ

مَفْهِمْنا معنى الأوطانْ
اطْلِعْنا من روضْ الأفراحْ

نِزْلْنا في جُبِّ الأحزانْ

*

عَ يوسفْ يبكي يعقوبْ

وأصْبَحْ عَ أمرو مَغْلوبْ
لكنْ لمّا شمِّ الثوبْ

رِجْعْ البَصَرْ من الرحمنْ

*

يا يوسف مرّت لِسْنينْ

وعِشْنَا ما بَعْدِ الألفينْ
وكُثُرْ ماحْنَا كذّابينْ

نكَذِّبْ آياتْ القرآنْ

*

زُلَيْخَةْ ستْ البدُورْ

كانتْ عَ يوسفْ بِدوْرْ
خرج من جِبُّو منصورْ

وجبِّ زليخة من الوجدانْ






ثمة البئر الحكاية.. وحكاية البئر.. والحادي والعنَّات.. والشاعر يلتقط بباصريته وعين القلب خيط الأرجوان علي تلَّة من أرض كنعان لينازل دوثنان بشموخه العاتي وحقيقته الأكيدة.. مستوطنة مابو دوثان التي فشلت أرضتها الغُولِيَّة السوداء من أن تغيِّب خارطة دوثان وشمسها المهيمنة .


.
تل دوثان:

من المواقع الأثرية في عرابة، ويعتبر من أهم المواقع الأثرية الفلسطينية، وهو من أهم مصادر دراسة التاريخ الفلسطيني القديم. يقع التل إلى الشرق من عرابة على بعد 2 كم. جرت فيه بعض الحفريات العلمية في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين بمبادرة من المدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية. توصلت نتائج هذه الحفريات إلى الكشف عن توالي تتابع سكني في الموقع نفسه من 19 حقبة تاريخية رئيسية، حيث أنتجت التراكمات هذا التل الكبير الذي كان أهم تلك الفترات وهي الفترة البرونزية الكنعانية، فكانت إحدى أهم الممالك الكنعانية الحصينة في فترة العصور البرونزية، وقد تم العثور على أعداد هائلة من الأدوات والقطع الأثرية في هذا الموقع، والتي في معظمها إما صدّر للخارج أو موجود في المتحف الفلسطيني في القدس أو في متحف عمّان في جبل القلعة. وكانت تمر من هذا الموقع؛ الطريق التي تقطع أواسط البلاد من شمالها إلى جنوبها ثم إلى سيناء فمصر، وذكر أن سيدنا يوسف (عليه السلام) ألقي فيه، أي الجُبُّ من قبل إخوتهِ، ويعرف حاليًّا بـ(نبع الحفيرة)، وهو مجاور تمامًا لتل دوثان، وكان ذلك حسب الروايات التاريخية سنة 1678 ق.م. وقصته مشهورة ذكرها القران الكريم في سورة يوسف. وعلى ضوء هذه الرواية التاريخية حرص الحجاج المسيحيون المتجهون إلى الناصرة على المرور بهذا الموقع إلى أن تدخل الاحتلال العام 1967 وعمل على تحويل مسار الحج المسيحي.
Palestine and Israel /page 92
مشروع كتاب: "تاريخ عرابة": حسين العطاري.